من اخلاقيات الشركس وعاداتهم المهددة بالتراجع، تجنب مفاخرة المرء والتبجح بنفسه وبأعماله، وتحاشي مدح أفراد اسرته والأقربين منه..أمام الأخرين... لأنه يعتبرها أموراً عادية لاتستحق الذكر، أوأنها واجبات تجاه مجتمعه. وتلاحظ هذه الظاهرة في اللغة الشركسية التي تقل فيها كلمات الثناء والمديح ومرادفاتها، التي نجدها في اللغة العربية والشعر العربي. حتى أن أغلب أبناء جيلي وأنا منهم لم نكن نعرف عن إنجازات آبائنا إلا عن طريق الآخرين أو أمهاتنا.
أما اليوم، فكثيرا مانسمع كلمة (الأنا) في مناسبات غير مرغوبة. وخاصة في مجتعات شراكسة المهاجر العربية والتركية حيث تغيرت بعض موروثات (الأديغة هابزة) وتقاليد الشركس الحميدة وما جُبلوا عليه، ما يكشف عن تأثرهم بالبيئة التي ترعرعوا فيها... ومع ذلك فإن من الأخلاق الحميدة والواجب أيضاً توجيه كلمة التقدير والثناء لمن يستحقها لخدماته وإنجازاته في خدمة الآخرين وتخفيف معاناتهم...وهذا ما حفزني للحديث عن تجاوب أهلنا في كل من سورية وتركيا وبلدان منافي الشركس وشتاتهم، لتقديم العون والمساعدات للمتضررين في أحداث زلزال شرقي البحر المتوسط في الشمال السوري والجنوب التركي، بحيث تم إيواء كافة من تدمرت مساكنهم، مع توفير ما يقيهم برد الشتاء القارس والمجاعة والأمراض والإصابات. وذلك على الرغم من ظروف شركس العالم المالية والإقتصادية المتواضعة.
إذ ما كادت أخبار تعرض التجمعات الشركسية في جنوبي تركيا وشمالي سورية لكارثة زلزال السادس من شباط 2023، تصل إلى بني جلدتهم في المناطق المذكورة وفي شتى منافي الشركس في العالم حتى هب كل قادر وغيورمنهم، لتقديم مساعدته، هذا بالمال، وذلك بالكساء والغذاء، وآخر بإيواء من فقدوا مساكنهم أو استئجار مساكن لهم، ورابع بتقديم الخدمات الطبية وإخراج المتحجزين تحت الأنقاض والردميات... وتجلت الروح الإنسانية والأخوة الصادقة في أفواج شباب وشابات الجهات التي هبت للعمل التطوعي في إغاثة المنكوبين، وفي طليعتهم الجمعيات الشركسية في بلدان المهاجر..تتقدمها جمعيات تركيا، والجمعية الخيرية الشركسية في سورية. ففي سورية وصلت فرق الجمعية وفروعها نهارها بليلها لإيصال كل ما أمكنهم نقله من معونات من الجنوب والوسط السوري إلى أهلنا في الشمال وخاصة في مدينة حلب المنكوبة، يتقدمهم رئيس الجمعية الأم، الأخ الأستاذ الدكتور غسان شورى ورؤساء الفروع، بالتعاون مع رئيس فرع حلب الأخ نارت مطوخ...
وحرصاً من الجميع على إيصال المعونات إلى مستحقيها، جرت عمليات تسليمها لهم باليد، مع التسجيل، بعيداً على اعتماد جهات أو وسطاء لايؤمن جانبهم في الإغاثة والعون...
واليوم وبعد مرور أكثر من أسبوعين على حدوث الزلزال المدمر، تمكنت الجمعية وهيئتها الإدارية وفروعها من إيواء وإغاثة الأسر الشركسية المتضررة على الأرض السورية.... فالشكر والتقدير للأخ الأستاذ الدكتور غسان شورى ورؤساء فرع الجمعية الخيرية الشركسي وإعضائها وغيرهم لجهودهم وغيرتهم، راجين متابعة نشاطهم في تجاوز هذه الكارثة المدمرة، التي ما زالت تبث الخوف والرعب في نفوس السوريين والأتراك.
والتي فقدنا فيها من أهلنا قرابة 150 ضحية عدا الجرحى والمصابين، وهو رقم متواضع بالقياس إلى عشرات آلاف الضحايا في البلدين...لكنه كبير بالنسبة للمكون الشركسي في كل من سورية وتركيا.
كما يعيد ما نعيشه اليوم من مصاب، إلى الذاكرة، نكبة نزوح أهلنا من الجولان قبل 56 سنة (في صيف سنة 1967) حين هب شراكسة سورية والأردن وغيرهم لتقديم العون والمساعدة، وعقدوا اجتماعاً شعبياً كبيراً وشكلوا بعد يوم واحد (لجنة شعبية عليا لشؤون النازحين). انتخبت، رئيس درك سورية المتقاعد محمد علي عزمت (رئيس شرف) لها-توفي مبكراً رحمه الله-، والضابط المتقاعد سليمان ناجي قوباتي (رئيساً تنفيذياً)، و الدكتور عادل عبدالسلام (لاش) أمين سر لها، وكان أهم مقرراتهاتأمين الغذاء والكساء والمأوى مع الحفاظ على الكرامة، والنظافة والعناية الصحية والاجتماعية والتعليمية- الثقافية. في إطار المبدأ الذي التزمت به اللجنة، والتزم به كل شركسي في بلدان الشتات، وهو ( العمل على عدم إيواء أي شركسي في خيمة، أو توطينه في مخيم ). ولقد نجحنا في مسعانا إلى ساعة تسليم مفاتيح مساكن المتضررين منهم في (مساكن مرج السلطان) لمستحقيها في تموز سنة 1972.
مثالان ساطعان على صدق المقولة الشركسية (زمن الشدائد...الشركس واحد)، (Ем игъом,Адыгэр Зы).
عادل عبد السلام لاش
مرج السلطان 24-2-2023
المصدر: فيسبوك
Comments
Post a Comment